الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تدريب الرَّاوي في شَرْح تَقْريب النَّواوى ***
هُو فَنٌّ مُهمٌّ لا يُعرفُ فيه تَصْنيفٌ مُفردٌ, وهو حَقيقٌ بِهِ, فمنهُم من خَلَطَ لخَرفهِ, أو لِذهَاب بَصَره, أو لِغَيْره, فيُقْبل ما رُويَ عنهُم قبلَ الاخْتِلاط, ولا يُقْبل ما بعدُ, أوْ شُكَّ فيه, فمنهُم: عَطَاء بن السَّائب, فاحْتَجُّوا برواية الأكَابرِ, كالثَّوْري وشُعْبة, إلاَّ حَدِيثين سمعهما شُعْبة بأخرة. النَّوع الثَّاني والستون : معرفة من خَلَط من الثِّقات. هو فنٌّ مهم لا يُعرف فيه تصنيف مفرد, وهو حقيق به. قال العِرَاقي: وبسبب ذلك أفردهُ بالتَّصْنيف من المُتأخِّرين: الحافظ صلاح الدِِّين العلائي. قلت: قد ألَّف فيه الحازمي تأليفًا لطيفًا رأيته. فمنهم من خَلَطَ لخَرفهِ, أو لذهَاب بَصَره, أو لغيره كتلف كُتبه والاعتماد على حفظه فيُقبل ما رُوي عنهم مِمَّا حدَّثوا به قبل الاخْتلاط, ولا يُقبل ما حدَّثُوا به بعده, أو شُكَّ فيه ويُعْرف ذلكَ باعْتبار الرُّوَاة عنهم. فمنهم: عطاء بن السَّائب أبو السَّائب الثَّقَفي الكُوفي, اختلطَ في آخر عُمُره فاحتجُّوا برواية الأكابر عنه, كالثَّوري وشُعْبة بل قال يحيى بن معين: جميع من روى عن عطاء سمعَ منه في الاختلاط غيرهما, لكن زاد يحيى بن سعيد القَطَّان والنَّسائي, وأبو داود, والطَّحاوي: حمَّاد بن زيد, ونقل ابن المَوَاق الاتِّفاق على أنَّه سمع منه قديمًا. قال العِرَاقي: واسْتَثنى الجمهُور أيضًا كابن مَعِين, وأبي داود, والطَّحاوي, وحمزة الكِنَاني, وابن عَدي رواية حمَّاد بن سَلَمة عنهُ. وقال العُقيلي: إنَّما سمع منه في الاختلاط, وكذا سائر أهل البصرة, لأنَّه إنَّما قدم عليهم في آخر عُمُره. وتعقَّب ذلك ابن المَوَاق بأنَّه قدَّمها مرتين, فمن سمع منه في القَدْمة الأولى صحَّ حديثه. واستثنى أبو داود أيضًا: هِشَامًا الدَّستوائي. قال العِرَاقي: وينبغي استثناء ابن عُيَينة أيضًا, فقد روى الحُميدي عنه قال: سمعتُ عطاء قديمًا, ثمَّ قدم علينا قَدْمة فسمعتهُ يُحدِّث ببعض ما كُنتُ سمعتُ فخلط فيه, فاتَّقيتهُ واعْتزلته. قال يحيى بن سعيد القَطَّان: إلاَّ حديثين سمعهما منه شُعْبة بأخرة عن زاذان, فلا يُحتج بهما. ومِمَّن سمعَ منهُ بعد الاختلاط: جَرِير بن عبد الحميد, وخالد الوَاسطي, وابن عُلَية, وعلي بن عاصم, ومحمد بن فُضَيل بن غَزْوان, وهُشَيم, وإن رَوَى له البُخَاري في «صحيحه» حديثًا من رِوَاية هُشيم عنهُ, فقد قَرنهُ بأبي بِشْر جَعْفر بن إياس, وليس له عنده غيره. ومِمَّن سمع منهُ في الحالتين: أبو عَوَانة. ومنهم: أبو إسْحَاق السَّبِيعيُّ, يُقَال: سَماعُ ابنُ عُيَينة منهُ بعد اخْتلاطه, ومنهُم سَعِيد الجُرَيري. ومنهم: أبو إسْحَاق عَمرو بن عبد الله السَّبيعي اختلط أيضًا, وأنكر ذلك الذَّهَبي وقال: شاخ ونسي ولم يختلط. ويُقال سماع سُفْيان ابن عُيَينة منه بعد اختلاطه قاله الخَليلي, ولذلكَ لم يُخرج له الشَّيْخان من روايته عنه شيئا, وقال الذَّهَبي: سمع منه وقد تغيَّر قليلاً. ومِمَّن سمع منه حينئذ: إسرائيل بن يُونس, وزكريا بن أبي زائدة, وزُهير بن معاوية, وزائدة بن قُدَامة, قاله ابن معين وأحمد. وخالف ابن مهدي وأبو حاتم في إسرائيل وروايته, ورواية زكريا, وزهير عنه في «الصَّحيحين» وكَذَا رِوَاية الثَّوري وأبي الأحْوَص سلاَّم بن سليم, وشُعْبة, وعُمر بن أبي زائدة, ويُوسف بن أبي إسْحَاق. وأخرج له البُخَاري من رِوَاية جَرِير بن حازم, ومُسْلم من رواية إسْمَاعيل بن أبي خالد, ورقبة بن مَصْقلة, والأعْمش, وسُليمان بن مُعاذ, وعمَّار بن زريق, ومالك بن مِغْول, ومِسْعر بن كِدَام. ومنهم سعيد ابن إياس الجُرَيري اختلط وتغَيَّر حفظه قبل موته, ولم يشتد تغيره. قال النَّسَائي وغيره: وأنكر أيَّام الطَّاعون. ومِمَّن سمع منه قبل التَّغير: شُعْبة, وابن عُلَيه, والسُّفْيانان, والحَمَّادان, ومَعْمر, وعبد الوارث, ويزيد بن زُرَيع, ووهب بن خالد, وعبد الوهَّاب الثَّقفي, وكل من أدرك أيُّوب السِّخْتياني كما قاله أبو داود. وسمعَ بعدهُ: يحيى القَطَّان ولم يُحدِّث عنه شيئا, وإسحاق الأزرق, ومحمَّد بن أبي عَدي, وعيسى بن يُونس, ويزيد بن هارون. وقد روى له الشَّيخان من رِوَاية بِشْر بن المُفضَّل, وخالد بن عبد الله, وعبد الأعلى بن عبد الأعلى, وعبد الوارث بن سعيد. وروى له مسلم من رِوَاية ابن عُلية, وجعفر بن سُليمان الضُّبعي, وحمَّاد بن أسامة, وحمَّاد بن سلمة, وسالم بن نوح, والثَّوري, وسُليمان بن المغيرة, وشُعبة, وابن المُبَارك, وعبد الواحد بن زياد, وعبد الوهَّاب الثقفي, ووهب بن خالد, ويزيد بن زُرَيع, ويزيد بن هارون. وابنُ أبي عَرُوبة. و منهم: سعيد ابن أبي عَرُوبة مهران, اختلطَ فوق عَشْر سنين, وقِيلَ: خَمْس سِنين, ومِمَّن سمعَ منهُ قبل الاختلاط: يَزيد بن هارون, وعَبْدة بن سُليمان وأسْبَاط بن مُحمَّد, وخالد بن الحارث, وسَوَّار ابن مُجَشر, وسُفْيان بن حبيب, وشُعيب بن إسْحَاق, وعبد الله بن بَكْر السَّهْمي, وعبد الله بن المُبَارك, وعبد الأعلى الشَّامي, وعبد الله بن عَطَاء, ومحمَّد بن بِشْر, ويَحْيى بن سعيد القَطَّان, ويزيد بن زُرَيع. قال ابن معين: أثبت النَّاس فيه عَبْدة. وقال ابن عَدي: أرْوَاهم عنهُ عبد الأعلى, ثمَّ شُعَيب, ثمَّ عَبْدة, وأثبتهم فيه يزيد بن زُرَيع, وخالد, ويحيى القَطَّان. قال العِرَاقي: وقد قال عبدة عن نفسه: أنَّه سمع عنه في الاختلاط, إلاَّ أن يريد بذلك بيان اختلاطه, وأنَّه لم يُحدِّث بما سمعه منه في الاختلاط. وأخرج له الشَّيخان: عن خالد, وروح بن عُبَادة, وعبد الأعلى, وعبد الرَّحمن بن عُثْمان, ومحمد بن سواء السَّدوسي, ومحمد بن أبي عَدي, ويحيى القَطَّان, ويزيد بن زُرَيع. والبخاري: عن بِشْر بن المُفضَّل, وسهل بن يُوسف, وابن المُبَارك, وعبد الوارث بن سعيد, وكَهْمس بن المنهال, ومحمَّد بن عبد الله الأنصاري. ومسلم: عن ابن عُلَية, وحمَّاد بن أسامة, وسالم بن نوح, وسعيد بن عَامر الضُّبعي, وأبي خالد الأحمر, وعبد الوهَّاب بن عطاء الخفَّاف, وعبدة, وعلي بن مسهر, وعيسى بن يُونس, ومحمد بن بِشْر العَبْدي, ومحمد بن بَكْر البُرْسَاني, وغُندر. ومِمَّن سمعَ من في الاختلاط: المُعَافى بن عِمْران, ووكيع, والفَضْل بن دُكَين. وعبدُ الرَّحمن بن عبد الله بن عُتْبة بن عبد الله بن مَسْعُود المَسْعُودي, ورَبِيعة الرَّأي شَيْخُ مَالك. و منهم: عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مَسْعُود المَسْعُودي. قال أبو حاتم: اختلط قبل موته بسنة أو سنتين. وقال أحمد: إنَّما اختلط ببغداد, فمن سمعَ منه بالكوفة أو البَصْرة, فسماعه جيد. وقال ابن معين: من سمع منه زمن أبي جعفر المنصور فهو صحيح السَّماع, ومن سمع منه زمن المهدي فليس بشيء. وقد شدَّد بعضهم في أمره فرد حديثه كله, لأنَّه لا يتميَّز حديثه القديم من حديثه الأخير, قال ذلك ابن حبَّان وأبو الحسن بن القَطَّان. قال العِرَاقي: والصَّحيح خلاف ذلك, فمن سمع منه في الصحَّة: وكيع, وأبو نُعَيم الفَضْل, قاله أحمد. ومِمَّن سمعَ منهُ قبل قُدومه بغداد: أُمَية بن خالد, وبِشْر بن المُفضَّل, وجعفر بن عَوْن, وخالد بن الحارث, وسُفيان بن حبيب, والثَّوري, وسَلْم بن قُتَيبة, وطَلْق بن غَنَّام, وعبد الله بن رجاء, وعُثمان بن عُمر بن فارس, وعَمرو بن مرزُوق, وعَمرو بن الهَيْثم, والقاسم بن مَعْن بن عبد الرَّحمن, ومُعَاذ العنبري, والنَّضْر بن شُميل, ويزيد بن زُرَيع. وسمعَ منهُ بعد الاختلاط: أبو النَّضْر هاشم بن القاسم, وعاصم بن علي, وابن مهدي, ويزيد بن هارون, وحجَّاج الأعْوَر, وأبو داود الطَّيالسي, وعلي بن الجعد. و منهم: ربيعة الرَّأي بن أبي عبد الرَّحمن شيخ مالك. قال ابن الصَّلاح: قيلَ أنَّه تغيَّر في آخر عُمُره, وتُرِكَ الاعتماد عليه لذلك. قال العِرَاقي: وما حَكَاهُ ابن الصَّلاح لم أره لغيره, وقد احتجَّ به الشَّيخان, ووثَّقه الحُفَّاظ والأئمة, ولا أعلم أحدًا تكلَّم فيه باختلاط ولا ضعف, إلاَّ ابن سعد قال بعد أن وثقه: كَانُوا يتَّقُونه لموضع الرَّأي. وذكره البتاني في ذيل الكامل كذلك. وقال ابن عبد البر: ذمَّهُ جَمَاعة من أهل الحديث لإغراقه في الرَّأي, وكان سُفْيان والشَّافعي وأحمد لا يرضون عن رأيه, لأنَّ كثيرًا منهُ يُخالف السُّنة. وصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأمَة, وحُصَين بن عبد الرَّحمن الكُوفي. و منهم: صالح بن نبهان مولى التَّوأمة. قال ابن مَعين: خرف قبل أن يموت. وقال أحمد: أدركهُ مالك بعد اختلاطه. وقال ابن حبَّان: تغيَّر سَنَة خمس وعشرين ومئة, واختلطَ حديثهُ الأخير بالقديم ولم يتميَّز فاستحقَّ التَّرك. قال العِرَاقي: بل ميَّز الأئمة بعض ذلك, فسمع منه قديمًا: مُحمَّد بن أبي ذئب, قاله ابن معين وغيره, وابن جُرَيج, وزياد بن سَعْد, قاله ابن عَدِي, وأسيد بن أبي أسيد, وسعيد بن أبي أيُّوب, وعبد الرَّحمن الأفريقي, وعمارة بن غزية, ومُوسى بن عُقبة, وسمع بعده مالك والسُّفْيانان. و منهم: حُصَين بن عبد الرَّحمن الكوفي السلمي. قال أبو حاتم: ساء حفظه في الآخر. وقال يزيد بن هارون: اختلط. وقال النَّسَائي: تغيَّر. وأنكرَ ذلك علي بن عَاصم, ولهم بهذا الاسم ثلاثة أخر كوفيون, ليس فيهم سُلمي, ولا من اختلط إلاَّ هذا. ومِمَّن سمع منه قديمًا: سُليمان التَّيمي, والأعمش, وشُعبة, وسُفيان. وعبدُ الوهَّاب الثَّقَفي, وسُفْيان بن عُيَينة قَبْل مَوْته بسَنتين وعبدُ الرزَّاق عَمِيَ في آخرِ عُمره, فَكَانَ يُلقَّن فيَتَلقَّن. و منهم: عبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثَّقفي. قال ابن مَعين: اختلط بآخره. وقال عُقْبة العَمِّي: اختلطَ قبل موتهِ بثلاث سنين, أو أربع. قال الذَّهَبي: لكنَّه ما ضر تغيره, فإنَّه لم يُحدِّث بحديث في زمن التغير. ثمَّ استدل بقول أبي داود: وتغيَّر جرير بن حازم وعبد الوهَّاب الثَّقفي, فحُجب النَّاس عنهم. و منهم: سُفْيان بن عُيَينة اختلط قبل موته بسنتين قاله ابن الصَّلاح أخذًا من قول يحيى بن سعيد: أشهدُ أنَّ سُفْيان اختلط سَنَة سبع وتسعين, وقد مات سَنَة تسع وتسعين. قال العِرَاقي: وذلك وهمٌ, فإنَّ المَعْروف أنَّهُ مات سَنَة ثَمَان أوَّل رجب. قال الذَّهَبي: وما نُقل عن يحيى بن سعيد فيه بُعْد, لأنَّ ابن سعيد مات في صَفَر, سَنَة ثَمَان وقت قُدُوم الحاج, ووقت تحدثهم عن أخبار الحُجَّاج, فمَتَى تمكَّن من أن يسمع اختلاط سُفْيان, ثمَّ يحكم به والموت قد نزل به. قال: فلعلهُ بلغهُ ذلك في أثناء سَنَة سَبْع, ومن سمع منه في التَّغبير: مُحمَّد بن عاصم صاحب ذلك الجُزء العَالي. قال الذَّهَبي: ويَغْلب على ظَنِّي: أنَّ سائر شُيوخ الأئمة السِّتة سَمعُوا منه قبل ذلك. وعبد الرزَّاق بن هَمَّام الصَّنعاني عَمي في آخر عُمره, فكان يُلقَّن فيَتَلقَّن قاله أحمد. قال: فمن سمعَ منهُ بعد أن عَمِي, فهو ضعيف السَّماع. ومِمَّن سمعَ منهُ قبل ذلك: أحمد, وابن رَاهويه, وابن مَعِين, وابن المَدِيني, ووكيع, في آخرين. وبعده: أحمد بن مُحمَّد بن شَبُويه, ومحمَّد بن حمَّاد الطَّهراني, وإسْحَاق بن إبْرَاهيم الدَّبري. قال ابن الصَّلاح: وجدتُ فيما رَوَى الطَّبراني عن الدَّبَري عنه أحاديث استنكرتها جدًّا, فأحلتُ أمرها على ذلك. وقال إبْرَاهيم الحَرْبي: ماتَ عبد الرزَّاق وللدَّبَري ست سنين أو سبع. قال ابن عدي: استُصْغر في عبد الرزَّاق. قال الذَّهَبي: إنَّما اعْتَنى به أبُوه فأسْمَعهُ منهُ تَصَانيفه وله سبع سنين, أو نَحْوها, وقد احتجَّ به أبو عَوَانة في «صحيحه» وغيره. قال العِرَاقي: وكأنَّ من احتجَّ به لم يُبال بتغيره, لكونهِ إنَّما حدَّث من كُتبه, لا من حفظه. قال: والظَّاهر أنَّ الَّذين سمعَ منهم الطَّبراني في رحلته إلى صَنْعاء من أصْحَاب عبد الرزَّاق, كلهم سمع منه بعد التغير, وهم أربعة: الدَّبري, وإبراهيم بن مُحمَّد بن برة الصَّنعاني, وإبراهيم بن مُحمَّد بن عبد الله بن سُويد, والحُسَين بن عبد الأعلى الصَّنْعاني. وعَارِمٌ وأبو قِلابَةَ الرَّقَاشيُّ. و منهم: عارم مُحمَّد بن الفضل أبو النُّعْمان السَّدوسي. قال البُخَاري: تغيَّر في آخر عُمُره. وقال أبو حاتم: من سمعَ منهُ سَنَة عشرين ومئتين, فسماعهُ جيِّد. قال: وأبو زُرْعَة لقيه سَنَة اثنتين وعشرين. وقال أبو داود: بلغنا أنَّه أنكر سَنَة ثلاث عشرة, ثمَّ راجعهُ عقله, ثمَّ اسْتَحكم به الاختلاط سَنَة ست عشرة. وقال الدَّارقُطْني: وما ظهرَ له بعد اختلاطه حديث مُنْكر. وأمَّا ابن حبَّان فقال: اختلطَ وتغيَّر, حتَّى كانَ لا يدري ما يُحدِّث, فوقعت المَنَاكير الكثيرة في روايته, فما روى عنه القُدَماء فصحيحٌ, وأمَّا رواية المُتأخِّرين فيَجْب التَّنكب عنها. وأنكرَ ذلكَ الذَّهَبي, ونسب ابن حبَّان إلى التخسيف والتهوير. وِمَّن سمع منهُ قبل الاختلاط: أحمد, وعبد الله المُسْندي, وأبو حاتم, وأبو علي مُحمَّد بن أحمد بن خالد, وجَمَاعة. وبَعْده: علي بن عبد العزيز, والبَغَوي, وأبو زُرْعَة. و منهم: أبو قِلابة عبد الملك بن مُحمَّد الرقاشي. قال ابن خُزيمة: حدَّثنا أبو قِلابة بالبَصْرة قبل أن يَخْتلط ويَخْرُج إلى بَغْداد. فظَاهره: أنَّ من سمعَ منهُ بالبَصْرة, فسماعهُ صحيحٌ, وذلك كأبي داود السِّجِسْتاني, وابنه أبي بكر, وابن ماجه, وأبي مسلم الكجِّي, ومحمد بن إسْحَاق الصَّنْعاني, وأحمد بن يَحْيى البَلاذري, وأبي عَرُوبة الحَرَّاني. ومِمَّن سمع منه ببغداد: أحمد بن سلمان النجَّاد, وأحمد بن كامل القَاضي, وأبو سَهْل بن زياد القَطَّان, وعُثْمان بن أحمد السَّماك, وأبو العبَّاس الأصم, وأبو بَكْر الشَّافعي وغيرهم. وأبو أحْمَد الغِطْريفي, وأبو طَاهر حَفيدُ الإمام ابن خُزَيمة, وأبو بَكْر القَطِيعي, راوي «مُسْند» أحْمَد. و منهم في المُتأخِّرين: أبو أحمد مُحمَّد بن أحمد بن الحُسَين الغِطْريفي الجُرْجاني. قال الحافظ أبو علي البَرْذعي: بلغَنِي أنَّه اختلطَ في آخر عُمُره. قال العِرَاقي: لم أرهُ لغيره, وقد ترجمهُ الحَافظ حمزة في «تاريخ جُرْجان» فلم يذكُر عنهُ شيئا في ذلك, وهو أعرف به, فإنَّه شيخه, وقد حدَّث عنهُ الإسْمَاعيلي في «صحيحه», إلاَّ أنَّه دلَّس اسمهُ لكونه من أقرانه, لا لضعفه, وقد مات الإسْمَاعيلي قبلهُ, وآخر أصحاب الغطريفي: القاضي أبو الطَّيب الطَّبَري, وسماعه منه في حياة الإسْمَاعيلي, فهو قبل تغيره إن كان تغير. قال: وثَمَّ آخر يُقال له: الغِطْريفي وافق هذا في اسمه واسم أبيه وبلده ونسبه, وتَقَاربَا في اسم جده وتَعَاصرَا, وذاك قد اختلط بآخره, كما ذكره الحاكم في «تاريخ نَيْسابور, فيُحْتمل أن يَكُون اشتبه بالغِطْريفي هذا. و منهم: أبو طاهر مُحمَّد بن الفضل حفيد الإمام أبي بكر ابن خُزيمة. قال الحاكم: اختلطَ قبل موته بسنتين ونصف. قال الذَّهَبي: ولم يسمع أحد منه في تلك المُدَّة. و منهم: أبو بَكْر القَطِيعي راوي «مسند» أحمد و«الزهد» له عن ابنه عبد الله. قال ابن الصَّلاح: اختلَّ في آخر عُمره وخرف, حتَّى كان لا يعرف شيئا مِمَّا يُقرأ عليه. قال الذَّهَبي: ذكر هذا أبو الحسن بن الفُرَّات, وهو غُلو وإسْرَاف, وقد وثَّقه البَرْقَاني, والحاكم, والدَّارقُطْني, ولم يذكُروا شيئا من ذلك. وقال العِرَاقي: في ثُبوت ذلك نظر, وما ذكرهُ ابن الفُرَات لم يثبت إسناده إليه. قال: وعلى تَقْدير ثُبُوته, فمن سمعَ منهُ في حال صِحَّته: الحاكم, والدَّارقُطْني, وابن شَاهين, والبَرْقَاني, وأبو نُعَيم, وأبو علي التَّميمي راوي «المُسْند» عنهُ, فإنَّه سمعه عليه سَنَة ست وستِّين ومَاتَ سَنَة ثمان وستين وثلاث مئة. ومَنْ كَانَ مِنْ هَذَا القَبِيل مُحْتجًّا بهِ في «الصَّحيحِ» فهُو مِمَّا عُرِفَ رِوَايتهُ قَبْل الاخْتِلاط. ومن كان من هذا القَبِيل مُحتجًّا به في «الصَّحيح» فهو مِمَّا عرف روايته قبل الاختلاط.
هَذَا فَنٌّ مُهمٌّ, و«طَبَقات» ابن سَعْد عَظيمٌ كَثيرُ الفَوَائد, وهُو ثِقةٌ لكنهُ كثيرُ الرِّواية فيهِ عن الضُّعَفاء, منهُم: شَيْخهُ مُحمَّد بن عُمَر الوَاقِديُّ لا يَنْسبهُ, والطَّبَقة القَوْم المُتَشَابهُون, وقَدْ يَكُونَان من طَبَقةٍ باعْتبَارٍ, ومن طَبَقَتين باعْتبَارٍ. النَّوع الثَّالث والستُّون: طَبَقات العُلَماء والرُّواة. هذا فنٌّ مهمٌّ فإنَّه قد يَتَّفق اسمان في اللفظ, فيظن أنَّ أحدهما الآخر, فيتميَّز ذلك بمَعْرفة طبقاتهما, وصنَّف في ذلك جماعة, كمُسْلم وخَليفة. و«طبقات» ابن سَعْد الكبير عَظِيم كثير الفوائد وله كِتَابان آخران في ذلك وهو ثقة في نفسه لكنَّه كثير الرِّواية فيه عن الضُّعَفاء, منهم شيخه مُحمَّد بن عُمر الواقدي, لا ينسبه بل يَقْتصر على اسمه, واسم أبيه, وشيخه هِشَام بن مُحمَّد بن السَّائب الكلبي. والطَّبقة في اللغة: القوم المُتَشابهون وفي الاصْطلاح قومٌ تَقَاربوا في السنِّ والإسناد, أو في الإسناد فقط, بأن يَكُون شُيوخ هذا, هم شُيوخ الآخر, أو يُقَاربوا شُيوخه. وقد يَكُونان أي: الرَّاويان من طَبَقة باعْتبار لمُشَابهته لها من وجه ومن طَبَقتين باعْتبار آخر لمُشَابهته لها من وجه آخر. كأنَس وشبههُ من أصَاغِر الصَّحَابة, هُمْ مع العَشَرة في طَبَقة الصَّحَابة, وعلى هَذَا الصَّحَابة كُلهم طَبَقة, والتَّابعُونَ ثَانيةٌ, وأتْبَاعُهم ثَالثةٌ, وهَلمَّ جَرًّا, وباعْتِبَار السَّوابق تَكُون الصَّحَابةُ بِضْع عَشْرةَ طَبَقةً كما تقدَّم, ويَحْتاجُ النَّاظرُ فيهِ إلى مَعْرفة المَوَاليدِ والوَفَيات, ومَنْ رَووا عنهُ, ورَوَى عنهُم. كأنس وشبهه من أصاغر الصَّحَابة, هم مع العَشْرة في طبقة الصَّحَابة, وعلى هذا الصَّحَابة كلهم طبقة باعتبار اشْتِرَاكهم في الصُّحْبة والتَّابعون طبقة ثانية, وأتباعهم طبقة ثالثة بالاعتبار المَذْكُور وهلمَّ جرًّا, وباعتبار آخر وهو النظر إلى السَّوابق تَكُون الصَّحَابة بضع عشرة طبقة كما تقدَّم في معرفة الصَّحَابة أنَّهم اثنتا عَشْرة طَبَقة أو أكثر, وفي معرفة التَّابعين أنَّهم خمس عشرة طبقة, وهكذا. ويَحْتاج النَّاظر فيه إلى مَعْرفة المَوَاليد للرُّواة والوفيات, ومن رووا عنه وروى عنهم.
أهَمُّه المَنْسُوبون إلى القَبَائل مُطْلقًا, كَفُلان القُرَشِي, ويَكُون مَوْلَى لَهُم, ثمَّ منهُم من يُقَال: مَوْلَى فُلان, ويُرَادُ مَوْلَى عَتَاقة, وهو الغَالبُ, ومِنْهُم مَوْلَى الإسْلام, كالبُخَاري الإمَام, مولى الجُعْفيِّين ولاء إسْلام, لأنَّ جدَّهُ كانَ مَجُوسيا فأسْلَمَ على يَدِ اليمَان الجُعْفي. النَّوع الرَّابع والستُّون: مَعْرفةُ الموالي من العُلماء والرُّواة. وصنَّف في ذلك أبو عُمر الكِنْدي بالنِّسْبة إلى المصريين. أهمه المَنْسُوبون إلى القَبَائل مُطْلقًا, كفُلان القُرَشي, ويكون مولى لهم فربَّما ظنَّ أنَّه منهم بحكم ظاهر الإطلاق, فيترتَّب على ذلك خلل في الأحكام الشَّرْعية في الأُمُور المُشترط فيها النسب, كالإمامة العُظْمى, والكفاءة في النِّكاح, ونحو ذلك. ثمَّ منهم من يُقَال فيه مَوْلى فُلان, ويُراد مَوْلَى عتاقة, وهو الغَالب وستأتي أمثلته. ومنهُم من يراد به مَوْلى الإسْلام, كالبُخَاري الإمام مولى الجُعْفيين ولاء إسْلام, لأنَّ جده المُغيرة كان مَجُوسيًّا فأسلم على يد اليَمَان بن أخنس الجُعْفي. وكذلكَ الحَسَنُ المَاسرجسيُّ, مَوْلَى عبد الله بن المُبَارك, كانَ نَصْرانيا فأسْلَمَ على يَدَيه, ومنهُم مَوْلَى الحِلْف, كمَالك بن أنَسٍ الإمَام ونَفَرهِ أصْبَحيُّونَ صَلِيبةً, مَوَالي لتَيْم قُرَيش بالحِلْف, ومن أمْثلَةِ مَوْلى القَبِيلة: أبو البَخْتري الطَّائيُّ التَّابعيُّ مَوْلَى طَيء, وأبو العَاليةِ الرِّيَاحيُّ التَّابعيُّ مولى امْرَأة من بَنِي رِيَاح, واللَّيث بن سَعْد المِصْري الفَهْمي مولاهم, عَبْدُ الله بنُ المُبَارك الحَنْظليُّ مولاهم, عبدُ الله بن وَهْبٍ القُرَشي مولاهم, عبدُ الله بن صَالحٍ الجُهَنيُّ مولاهم, ورُبَّمَا نُسبَ إلى القَبِيلة مَوْلى مَوْلاها, كأبي الحُبَاب الهَاشِميِّ, مَوْلى شَقْران, مَوْلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الحسن بن عيسى, ذكره المُصنِّف في «تهذيبه» ابن ماسرجس المَاسرجسي أبو علي النَيْسابوري, من رجال مُسْلم مولى عبد الله بن المُبَارك, كان نَصْرانيًا فأسلمَ على يديه. ومنهم: مَوْلى الحِلْف كمالك بن أنس الإمَام ونَفرهِ هُمْ أصْبَحيون صَليبة ويُقَال له: التَّيْمي, لأنَّ نفره أصْبَح مَوَالي لتيم قُرَيش بالحِلْف. ومن أمثلة مَوَالي القَبِيلة عتاقة: أبو البَخْتري الطَّائي التَّابعي مَوْلى طيء. وأبو العَالية رُفَيع بن مهران الرِّياحي بالتَّحْية التَّابعي, مولى امرأة من بني رياح ابن يَرْبُوع, حي من بني تميم. واللَّيث بن سَعْد المِصْري الفَهْمي مولاهم. عبدُ الله بن المُبَارك الحَنْظلي مولاهم. عبد الله بن وهب القُرَشي مولاهم. عبد الله بن صالح الجُهَني مولاهم. وربَّما نُسبَ إلى القَبِيلة مَوْلى مولاها, كأبي الحُبَاب سعيد بن يَسَار الهاشمي لأنَّه مولى شَقْران مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وقِيلَ: هو مَوْلَى ميمونة أم المؤمنين, وقِيلَ: مولى الحُسَين بن علي, فليسَ حينئذ من هذا القسم. ومنهُ عبدُ الله بن وهب القُرَشي الفِهْري, فإنَّه مَوْلى يزيد بن رمانة, مولى يزيد بن أُنيس الفهري.
هُو مِمَّا يَفْتقرُ إلَيْهِ حُفَّاظ الحَدِيث في تَصرُّفَاتهم ومُصَنَّفاتهم, ومِنْ مَظَانِّه «الطَّبقات» لابن سَعْد, وقد كانت العَربُ إنَّما تَنْتسبُ إلى قَبَائلهَا, فلمَّا جَاء الإسْلام, وغلبَ عَليهم سُكْنَى القُرَى انْتَسبُوا إلى القُرَى كالعَجَم, ثمَّ من كانَ نَاقِلَة من بَلدٍ إلى بَلدٍ, وأرادَ الانْتِسَاب إليهمَا, فليَبْدأ بالأوَّل, فيَقُولُ في نَاقِلة مصر إلى دِمَشق: المِصْريُّ والدِّمشقيُّ, والأحسَنُ: ثمَّ الدِّمَشقي, ومن كان من أهِلِ قَرْية بَلْدة فيَجُوز أن يُنْسب إلى القَرْية, وإلى البَلْدةِ, وإلى النَّاحيةِ, وإلى الأقْلِيمِ. النَّوع الخامس والستُّون: معرفة أوطان الرُّواة وبلدانهم. وهو مِمَّا يفتقر إليه حُفَّاظ الحديث في تصرفاتهم ومُصنفاتهم فإن بذلك يُميَّز بين الاسمين المُتَّفقين في اللفظ. ومن مَظَانِّه «الطبقات» لابن سَعْد, وقد كانت العرب إنَّما تنتسب إلى قبائلها, فلمَّا جاء الإسْلام وغلب عليهم سُكنى القُرَى انتسبوا إلى القُرَى والمَدَائن كالعجم. ثمَّ من كان ناقلة من بلد إلى بلد, وأراد الانتساب إليهما, فليبدأ بالأوَّل, فيقول في ناقلة مصر إلى دمشق: المِصْري الدِّمشقي, والأحسن: ثمَّ الدِّمشقي لدلالة ثمَّ على التَّرتيب. وله أن ينتسب إلى أحدهما فقط, وهو قليلٌ, قاله المُصنِّف في «تهذيبه». ومن كان من أهل قرية بلدة بإضافة قرية إليها فيَجُوز أن يُنسب إلى القرية فقط وإلى البلدة فقط وإلى الناحية الَّتي فيها تلكَ البلدة فقط, زاد المُصنِّف وإلى الإقليم فقط. يقول فيمن هو من حَرَسْتَا مثلا, وهي قرية من قرى الغوطة, الَّتي هي كَوْرة من كور دمشق: الحَرَسْتائي, أو الغَوْطي, أو الدِّمشقي, أو الشَّامي. وله الجمع فيها, فيبدأ بالأعم, وهو الإقليم, ثمَّ النَّاحية, ثمَّ البلد, ثمَّ القرية, فيُقال: الشَّامي الدِّمشقي الغَوْطي, الحرستائي. وكذا في النسب إلى القَبَائل, يبدأ بالعام قبل الخاص, ليحصل بالثَّاني فائدة لم تَكُن لازمة في الأوَّل, فيقال: القُرشي, ثمَّ الهاشمي, ولا يقال: الهاشمي القُرَشي, لأنَّه لا فائدة للثَّاني حينئذ, إذ يلزم من كَوْنه هَاشميًا كونه قُرشيًا بخلاف العَكْس, ذكرهُ المُصنِّف في «تهذيبه». قال: فإن قيل: فينبغي أن لا يَذْكر الأعم, بل يَقْتصر على الأخص. فالجَوَاب أنَّه قد يَخْفى على بعض النَّاس كون الهاشمي قُرشيًا, ويظهر هذا الخفاء في البُطُون الخفية, كالأشهلي من الأنصار, إذ لو اقتصر على الأشهلي لم يعرف كثير من النَّاس أنَّه من الأنصار أم لا, فذُكر العام, ثمَّ الخاص, لدفع هذا التوهُّم. قال: وقد يقتصرون على الخاص, وقد يقتصرون على العام, وهذا قليل. قال: وإذا جُمع بين النَّسب إلى القَبِيلة والبلد, قُدِّم النَّسب إلى القَبِيلة. انتهى. قال عبدُ الله بن المُبَارك وغيرهُ: من أقَامَ في بَلْدة أرْبَع سنين, نُسَب إليَهَا. قال عبد الله بن المُبَارك وغيره: من أقام في بَلْدة أربع سنين, نُسَب إليها.
فائدة: صنَّف في الأنساب: الحازمي كتاب «العجالة»، وهو صَغير الحجم, والرُّشَاطي, ثمَّ الحافظ أبو سَعْد السَّمعاني كتابا ضَخْمًا حافلا, واختصره ابن الأثير في ثلاث مُجلدات, وسمَّاه «اللباب» وزاد فيه شيئا يسيرًا, وقد اختصرته أنا في مُجلدة لطيفة, وزدتُ فيه الجم الغفير, وسميته «لب اللباب» ولله الحمد. هذا آخر ما أوردهُ المُصنِّف رحمه الله تعالى من أنواع عُلوم الحديث, تبعًا لابن الصَّلاح, وقد بَقِيت أنواع أُخر, ها أنا أُوردها, والله سُبَحانه وتعالى المُسْتعان:
تقدَّم ذكرهما في نوع المُعْضل.
تقدَّما في نوعي: المَشْهُور والغريب.
أشرتُ إليه في نَوْع المَشْهُور.
حرَّرتهما في نَوْع الشَّاذ والمُنْكر.
تقدَّم في نوع المُنْكر, وعقيب المقلُوب.
تقدَّمت الإشَارةُ إليه في نوع المُصَحَّف.
قد ذكرهُ الحاكم في «علوم الحديث» عَقب مَعْرفة التَّابعين.
هذان ذكرهُمَا البَلْقِيني في «محاسن الاصطلاح» وقال: إنَّهما مُهمان, لأنَّ الغالب رواية التَّابعين عن الصَّحَابة, ورواية أتباع التَّابعين عن التَّابعين, فيحتاج إلى التنبيه على ما يُخالف الغالب. قلتُ: هذا تقدَّم في نوع الأقران. ومن أمثلة الأوَّل: حديث اجتمعَ فيه أرْبَعة صَحَابة, وهو حديث الزُّهْري, عن السَّائب بن يزيد, عن حُويطب بن عبد العُزَّى, عن عبد الله بن السَّعْدي, عن عُمر بن الخَطَّاب مرفوعا: «ما جَاءكَ الله به من هَذَا المَال عَنْ غَيْرِ إشْرَاف ولا سَائل, فخذهُ, ولا تُتبعه نفسك». وحديث خالد بن مَعْدان, عن كثير بن مُرَّة, عن نُعَيم بن هَبَّار, عن المِقْدام بن معدي كَرِب, عن أبي أيُّوب, عن عوف بن مالك قال: خرجَ علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب متغيِّر اللَّون فقال: «أطِيعُوني ما دُمتُ فيكُم, وعليكُم بكتاب الله، فأحلُّوا حلالهُ, وحرِّمُوا حَرَامه». وحديثٌ اجتمع فيه أربع من نساء الصَّحَابة, اثنتان من أُمَّهات المُؤمنين ورَبيبتَان للنَّبي صلى الله عليه وسلم. وهو ما رواه مسلم, والترمذي, والنَّسائي, وابن مَاجه, من طريق ابن عُيَينة عن الزُّهْري, عن عُرْوة, عن زينب بنت أُمِّ سلمة, عن حَبِيبة بنت أُم حَبِيبة, عن أُمِّها أُم حبيبة, عن زينب بنت جَحْش قالت: أتيتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يومًا مُحْمرًّا وجههُ, وهو يَقُول: «لا إلَه إلاَّ الله- ثلاث مَرَّات- ويلٌ للعَرَبِ من شَرٍّ قد اقتربَ, فُتحَ اليَوْم من رَدْم يأجُوج ومأجُوج مثل هذه». وعقدَ عشرًا, قلت: يا رَسُول الله أنَهْلك وفينَا الصَّالحُون؟ قال: «نعم إذا كَثُر الخَبَث». وقد أفردَ بَعْضهم هذه الأحاديث الثَّلاثة في جُزء. قلتُ: وقع في بعض الأجْزَاء حديثٌ اجتمع فيه خَمْسة من الصَّحَابة, أخبرني أبو عبد الله بن مقبل مُكَاتبة, عن أحمد بن عبد العزيز ومحمَّد علي الحراوي, كلاهما عن الحافظ شَرَف الدِّين الدمياطي, أخبرنا الحافظ يُوسف بن خليل, أخبرنا ذكريا بن كامل, أنبأنا أبو زكريا يحيى بن أبي عُمر الأصبهاني, أخبرنا أحمد بن الفَضْل, أخبرنا أبو علي الحُسَين بن أحمد البَرْذعي, حدَّثنا مُحمَّد بن حبَّان الأنصاري, حدَّثنا الشاذكوني حدَّثنا سُفْيان بن عُيَينة, عن الزُّهْري, عن سعيد بن المُسيب, عن عبد الله بن عَمرو بن العَاص, عن عُثْمان بن عفَّان عن عُمر بن الخَطَّاب, عن أبي بكر الصِّديق, عن بلال قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «المَوْت كَفَّارة لكلِّ مُسْلم».
هذا النَّوع زدتهُ أنا, وقد ألَّف فيه الخَطِيب, وقد أنكر بعضهم وجود ذلك وقال: إنَّ رواية الصَّحَابة عن التَّابعين, إنَّما هي في الإسرائيليات والموقوفات, وليس كذلك. فمن ذلك حديث سَهْل بن سعد السَّاعدي, عن مَرْوان بن الحكم, عن زيد بن ثابت: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أمْلَى عليه: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] فجاء ابن أم مكتوم... الحديث. رواه البُخَاري, والتِّرمذي, والنَّسائي. وحديث السَّائب بن يزيد, عن عبد الرَّحمن بن عَبْدٍ القَارِّي, عن عُمر بن الخَطَّاب, عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نَامَ عن حِزْبهِ, أو عَنْ شَيء منهُ فَقَرأهُ ما بينَ صَلاة الفَجْر إلى صَلاةِ الظُّهْر, كُتبَ له كأنَّما قَرَأهُ من اللَّيلِ». رواه مسلم, وأصحاب السُّنن الأربعة. وحديث جابر بن عبد الله, عن أمِّ كُلثوم بنت أبي بكر الصِّديق, عن عائشة: أنَّ رَجُلاً سألَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُل يُجَامع ثمَّ يكسل, هل عليهما من غُسْل؟ وعائشة جَالسة, فقال: «إنِّي لأفْعَل ذلكَ أنَا وهَذهِ, ثمَّ نَغْتسل». رواه مسلم. وحديث عَمْرو بن الحارث بن المُصْطلق, عن ابن أخي زينب امْرَأة عبد الله بن مَسْعُود, عن زينب امرأة ابن مَسْعُود قالت: خَطَبنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا مَعْشر النِّسَاء تَصَدَّقنَّ ولو من حُليكُنَّ, فإنَّكُنَّ أكثر أهل جهنَّم يومَ القِيَامة». رواهُ التِّرمذي والنَّسائي. والحديث مُتَّفق عليه من رواية عَمرو, عن زينب نَفْسها. وحديث يَعْلَى بن أُمَّية, عن عَنْبَسة بن أبي سُفْيان, عن أُختهِ أم حَبيبة, عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صلَّى اثْنَتي عَشْرة رَكْعة بالنهَّار أو باللَّيل, بَنَى الله لهُ بيت في الجنَّة». رواه النَّسَائي. وحديث جابر بن عبد الله, عن أبي عَمْرة مولى عَائشة- واسمه ذَكْوان- عن عائشة: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يَكُون جُنبًا, فيُريد الرُّقاد, فيتوضَّأ وضُوءه للصَّلاة, ثمَّ يَرْقُد. رواه أحمد في «مسنده». وحديث أبي هُرَيرة, عن أُمِّ عبد الله بن أبي ذئاب, عن أُمِّ سَلَمة مرفوعًا: «مَا ابتَلَى الله عبدًا ببلاء وهُو على طَريقة يكرهُهَا إلاَّ جعلَ الله ذلكَ البَلاء كفَّارة له». رواه ابن أبي الدُّنيا في كتاب «المرض والكفَّارات». وقد جمعَ الحافظ أبو الفضل العِرَاقي الأحاديث الَّتي بهذه الشَّريطة فبلغت عِشْرينَ حديثًا.
ذكرهما شيخ الإسلام في «النخبة». وصنَّف الخَطِيب في النَّوع الأوَّل كتابًا قال فيه: وجلتُ في أسماء رُواة الحديث, فوجدت جَمَاعة منهم واطأت كُنَاهم أسماء آبائهم, ولبعضهم نظرًا لخلاف ذلك, فربَّما جاءت رِوَايته عن بعضهم باسمه وكنيته مُضَاهيًا لآخر في اسمه وكنيته وهُمَا اثنان, فلا يُؤمن وقوع الخطأ فيها. وقال شيخ الإسلام: فائدة مَعْرفة ذلك نَفْي الغلط عمَّن نَسَبهُ إلى أبيه. وصنَّف أبو الفتح الأزدي في النَّوع الثَّاني كتابًا. ومن أمثلة الأوَّل في الصَّحَابة وفي غيرهم: أبو مسلم الأغر بن مسلم المَدَني, روى عن أبي هُرَيرة وغيره. وأبو خالد أوس بن خالد البصري, روى عن أبي هُرَيرة وسَمُرة. وأبو إسْحَاق إبْرَاهيم بن إسْحَاق المَدِيني, من أتباع التَّابعين. وأبو إسماعيل إدريس بن إسماعيل الكوفي, روى عن الأعمش وطلحة بن مُصرِّف. وأبو زياد أيُّوب بن زياد الحمصي, روى عن عُبَادة بن الوليد بن عُبَادة. وأبو الجَوَّاب الأحوص بن جَوَّاب الكوفي الضَّبي, روى عن أسْبَاط بن نَصْر وغيره. ومن أمثلة الثَّاني في الصَّحَابة: أوس بن أبي أوس. وسِنَان بن أبي سِنَان الأسدي. ومَعْقل بن أبي مَعْقل. وفي غيرهم: الحسن بن أبي الحسن البَصْري. وإسحاق بن أبي إسْحَاق السَّبيعي. وعَامر بن أبي عَامر الأشْعري.
وهذا النَّوع ذكره شَيْخ الإسْلام في «النخبة». وصنَّف فيه أبو الحَسَن بن حَيوَيه جُزءا خاصًّا بالصحابة, ثمَّ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر. وقد رأيتُ جُزء ابن حيويه, وهذه أسماء من ذُكر فيه: أبو أُسَيد السَّاعدي مالك بن ربيعة الأنصاري, وزوجه أم أُسيد الأنصاري. وأبو أيُّوب الأنصاري خالد بن زيد, وزوجه أُم أيُّوب بنت قيس بن أسد الأنصارية. أبو بَكْر الصِّديق, وزوجه أم بَكْر في الجَاهلية, لم يصح إسلامها. أبو الدَّحْداح, وزوجه أُم الدَّحْداح. أبو الدَّردَّاء, وزَوْجه أم الدَّردَّاء الكُبْرى خيرة بنت أبي حَدْرد صَحَابية, وأم الدَّرْداء الصُّغْرى هُجَيْمة تَابعية. أبو ذر الغِفَاري وزَوْجه أُم ذر. وأبو رافع أسْلَم مولى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وزوجه أم رافع سلمى مولاته أيضًا. أبو سَلَمة عبد الله بن عبد الأسد, وزوجه أم سلمة هند بنت أبي أمية, تزوَّجها بعده النَّبي صلى الله عليه وسلم. أبو سيف القَيِّن ظئر إبْرَاهيم, وزَوْجه أم سيف. أبو طُلَيق, وزوجه أُم طُليق. أبو الفَضْل العبَّاس بن عبد المُطَّلب, وزوجه أم الفَضْل لُبَابة بنت الحارث. أبو مَعْقل الأسَدي هيثم بن أبي مَعْقل, وزوجه أُم مَعْقل الأسدية. هذا ما ذكره ابن حَيوَيه, وقد رُوي عن كل من المذكورين حديثًا, وفاته: أبو مَعْبد وأم مَعْبد. وأبو رعلة, وأم رعلة.
هذا النَّوع ذكره شَيْخ الإسْلام في «النخبة». ومَثَّله: بالرَّبيع بن أنس عن أنس, هكذا يأتي في الرِّوايات, فيُظن أنَّه يروي عن أبيه, كما وقع في «الصَّحيح» عامر بن سعد, عن سعد, وهو أبوه, وليس أنس شيخ الرَّبيع والده, بل هو أنس بن مالك الصَّحَابي المشهور وأبوه بكري.
هذا النَّوع ذكره شيخ الإسْلام في «النخبة». ومَثَّله: بالحَسَن بن الحَسَن بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب. وقد صنَّف أبو الفتح الأزدي كتابًا فيمن وافق اسْمهُ اسم أبيه, كالحجَّاج بن الحجَّاج الأسْلَمي له صُحْبة. وعَدي بن عَدي الكِنْدي. وهند بن هند بن أبي هالة. وحُجْر بن حُجْر الكَلاعي. وهاشم بن هاشم بن عُتْبة. وعبَّاد بن عبَّاد المُهَلَّبي. وصالح بن صالح بن حي الهَمداني. وسعيد بن سعيد بن العاص وغيرهم. وقد يتَّفق الاسم واسم الأب مع الاسم واسم الأب فصاعدًا, كأبي اليُمْن الكِنْدي زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن.
ذكرهُ شَيْخ الإسْلام في «النخبة». كعِمْران, عن عِمْران, عن عمران, الأوَّل يُعرف بالقصير, والثاني أبو رجاء العُطَاردي, والثالث ابن حُصَين الصَّحَابي. وكسُليمان, عن سُلَيمان, عن سُلَيمان, الأوَّل ابن أحمد بن أيُّوب الطَّبراني, والثاني ابن أحمد الواسطي, والثالث ابن عبد الرَّحمن الدِّمشقي المَعْرُوف بابن بنت شرحبيل. قال: وقد يقع ذلك للرَّاوي ولشَيْخه معًا, كأبي العَلاء الهمداني العَطَّار, يروي عن أبي علي الأصبهاني الحدَّاد, وكل منهما اسمهُ الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد, فاتَّفقا في ذلك, وافترقا في الكُنْية, والبَلَد, والصَّنْعة. وصنَّف في ذلك أبو مُوسَى المَدِيني جُزءا حافلاً. قلت: وقال الحاكم في أواخر «علوم الحديث»: حدَّثنا خَلَف, حدَّثنا خَلَف, حدَّثنا خَلَف, حدَّثنا خَلَف, حدَّثنا خَلَف. فالأوَّل الأمير خلف بن أحمد السِّجْزي, والثاني أبو صالح خلف بن مُحمَّد البُخَاري, والثَّالث خلف بن سُليمان النَّسَفي صاحب «المسند», والرابع خلف بن مُحمَّد الواسطي كردوس, والخامس خلف بن موسى بن خلف. قلت: ومن هذا النَّوع حديث المُسَلسل بالمُحمَّدين في كلِّ رواته: أخبرني مُحمَّد بن إبْرَاهيم المالكي الأديب إجَازة, عن مُحمَّد بن أحمد المَهْدوي, أنَّ مُحمَّد بن زين بن مشرف أخبره, عن الزَّكي مُحمَّد بن يوسف البَرْزَني الحافظ, حدَّثنا مُحمَّد بن أبي الحسين الصُّوفي, حدَّثنا مُحمَّد بن عبد الله بن محمُّود الطَّائي, حدَّثنا الحافظ أبو عبد الله مُحمَّد بن عبد الواحد الدَّقَّاق, حدَّثنا مُحمَّد بن علي الكرَّاني, حدَّثنا الحافظ أبو عبد الله مُحمَّد بن إسْحَاق بن مُحمَّد بن يَحْيى العبدي, حدَّثنا أبو مَنْصُور مُحمَّد بن سَعْد البَاوردي, حدَّثنا مُحمَّد بن عبد الله الحَضْرمي, حدَّثنا أبو بكر مُحمَّد بن عبد الله بن المُثَّنى, حدَّثنا مُحمَّد بن بِشْر, حدَّثنا محمَّد بن عَمرو, حدَّثنا محمَّد بن سيرين, عن أبي كثير مولى مُحمَّد بن جحش- ويقال: أن اسمهُ محمَّد أيضًا- عن مُحمَّد بن جَحْش, عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه مرَّ في السُّوق على رَجُل وفَخْذاهُ مَكْشُوفتان, فقال له: «غَطِّ فَخْذيكَ, فإنَّ الفَخْذين عَوْرة». قال شيخ الإسلام أبو الفضل بن حَجَر: هذا حديث عجيب التَّسلسل, وليسَ في إسْنَاده من ينظر في حاله سوى مُحمَّد بن عَمرو, واسم جدِّه سَهْل, ضعَّفه يَحْيى القَطَّان, ووثَّقهُ ابن حبَّان, وله مُتَابع, رواه أحمد وابن خُزَيمة من طريق العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبي كثير أتم منه, وعلَّقهُ البُخَاري في «الصَّحيح».
ذكرهُ شَيْخ الإسْلام في «النخبة» وقال: هو نَوْع لطيف لم يتعرَّض له ابن الصَّلاح. وفائدته: رَفْع اللبس عمَّن يظن أنَّ فيه تِكْرارًا, أو انقلابًا. ومن أمثلته: أنَّ البُخَاري روى عن مسلم, وروى عنه مسلم, فشيخه مسلم بن إبْرَاهيم أبو مسلم الفراهيدي البصري, والراوي عنه مسلم بن الحجَّاج صاحب «الصَّحيح». وكذا وقع ذلك لعبد بن حميد أيضًا: روى عن مسلم بن إبراهيم, وروى عنه مسلم بن الحجَّاج في «صحيحه» حديثًا بهذه التَّرجمة بعينها. ومنها: يحيى بن أبي كثير, روى عن هِشَام, وروى عنه هِشَام, فشيخه هِشَام بن عُروة, وهو من أقْرَانه, والرَّاوي عنه هِشَام الدَّستوائي. ومنها: ابن جُرَيج, روى عن هِشَام, وروى عنه هِشَام, فشيخه ابن عروة, والرَّاوي عنهُ ابن يُوسف الصَّنْعاني. ومنها: الحكم بن عُتَيبة, روى عن ابن أبي ليلى, وروى عنه ابن أبي ليلى فالأعلى عبد الرَّحمن, والأدنى مُحمَّد بن عبد الرَّحمن المذكُور.
ذكره شَيْخ الإسْلام في أوَّل «نُكَته» على ابن الصَّلاح, ولم يذكره في «النخبة» وصنَّف فيه الخَطِيب. وفائدته نفي الغلط عمَّن ذكره بأحدهما. ومن أمثلته: ابن الطَّيلسان الحافظ, مُحدِّث الأندلس, اسمه القاسم, وكنيته أبو القاسم.
لم يذكروه أيضًا, من ذلك: حميري بن بشير الحميري, روى عن جُنْدب البَجْلي وأبي الدَّرْداء ومَعْقل بن يسار وغيرهم. وقريب منهم الأسماء الَّتي بلفظ النَّسب, كالحضرمي والد العلاء.
وهو قسمان: أحدهما: أن يَشْتركا في الاسم فقط. كأسْمَاء بن حارثة, وأسْمَاء بن رَبَاب, صَحَابيان. وأسْمَاء بنت أبي بكر, وأسْمَاء بنت عُميس, صَحَابيتان. وبُرَيدة بن الحَصِيب, صحَابي, وبُرَيدة بنت بِشْر, صَحَابية. وبَرَكة أُم أيمن صَحَابية, وبَرَكة بن العريان, عن ابن عُمر وابن عبَّاس. وهُنيدة بن خالد الخُزَاعي, عن علي, وهُنَيْدة بنت شَرِيك, عن عَائشة. وجُويرية أُم المُؤمنين, وجُويرية بن أسْمَاء الضَّبعي. والثاني: أن يَشْتركَا في الاسْمِ واسم الأب. كبُسْرة بن صَفْوان, حدَّث عن إبْرَاهيم بن سعد, وبُسْرة بنت صَفْوان, صحابية. وهِنْد بن مُهلَّب, روى عنه مُحمَّد بن الزِّبْرقان, وهِنْد بنت المُهَلَّب, حدَّثت عن أبيها. وأُمية بن عبد الله الأموي, عن ابن عُمر, وأُمية بنت عبد الله, عن عائشة, وعنها علي بن زيد بن جُدْعان, أخرج لها التِّرمذي.
هذا النَّوع ذكرهُ البَلْقِيني في «محاسن الاصطلاح» وشَيْخ الإسْلام في «النخبة» وصنَّف فيه أبو حَفْص العكبري, وأبو حامد بن كوتاه الجُوباري. قال الذَّهَبي: ولم يُسبق إلى ذلك. وقال ابن دقيق العيد في «شرح العمدة»: شرع بعض المتأخِّرين في تصنيف أسباب الحديث, كما صُنِّف في أسباب النزول. ومن أمثلته: حديث «إنَّما الأعْمَال بالنِّيات...» سببه أنَّ رَجُلا هاجر من مَكَّة إلى المَدِينة لا يُريد بذلك الهِجْرة, بل ليتزوَّج امرأة يُقال لها أُم قَيْس, فسُمي مُهَاجر أُم قَيْس, ولهذا حسن في الحديث ذكر المَرْأة دُون سائر الأُمور الدنيوية. قال البَلْقِيني: والسَّبب قد يُنقل في الحديث, كحديث سُؤال جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام عن الإيمان, والإسلام, والإحْسَان. وحديث: القُلَّتين, سئل عن الماء يَكُون بالفَلاة وما يَنُوبه من السِّبَاع والدَّوَّاب. وحديث: «صَلِّ فإنَّكَ لم تُصلِّ». وحديث: «خُذِي فِرْصة من مِسْك». وحديث: سُؤال: أي الذَّنب أكبر؟ وغير ذلك. وقد لا يُنقل فيه, أو يُنقل في بعض طُرقه, وهو الَّذي يَنْبغي الاعْتناء به, فبِذْكر السَّبب يتبيَّن الفِقْه في المَسْألة من ذلك حديث: «الخَرَاج بالضَّمان» في بعض طُرقه عند أبي داود وابن ماجه: أنَّ رَجُلا ابْتَاع عبدًا, فأقامَ عندهُ ما شَاء الله أن يُقيم, ثمَّ وجَدَ به عيبًا, فخَاصمهُ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فردَّهُ عليه, فقال الرَّجُل: يا رَسُول الله قد استعمل غُلامي, فقال صلى الله عليه وسلم: «الخَرَاجُ بالضَّمان».
ذكره البَلْقِيني وقال: فوائده كثيرة, وله نفع في معرفة النَّاسخ والمَنْسُوخ. قال: والتاريخ يُعرف بأوَّل ما كان كذا, ويذكر القَبْلية والبَعْدية, وبآخر الأمرين, ويَكُون بذكر السَّنة, والشَّهر, وغير ذلك. فمن الأوَّل: «أوَّل ما بُدئ به رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الوَحْي الرُّؤيا الصَّالحة». و«أوَّل ما نَهَاني عنهُ ربِّي بعد عِبَادة الأوثَان, شُرب الخَمْر, ومُلاحاة الرِّجَال». رواه ابن ماجه. وقد صنَّف العُلماء في الأوائل, وأفرد ابن أبي شيبة في «مصنفه» بابًا للأوائل. ومن القَبْلية ونحوها: حديث جابر: كانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَانا أن نَسْتدبر القِبْلة أو نَسْتقبلها بفروجنا إذا أهْرَقنا المَاء, ثمَّ رأيتهُ قبل موتهِ بعام يستقبلها. رواه أحمد, وأبو داود, وغيرهما. وحديثه: كان آخر الأمْرَين من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَرْك الوضُوء مِمَّا مسَّت النَّار. رواه أبو داود وغيره. وحديث جرير أنَّه رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخُفِّ, فقيل له: أقبلَ نُزول سُورة المَائدة أم بعدها؟ فقال: ما أسلمتُ إلاَّ بعد نزول سُورة المَائدة. ومن المُؤرَّخ بذكر السَّنة ونحوها: حديث بُرَيدة: كانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ لكلِّ صَلاة, فلمَّا كانَ يوم الفَتْح صلَّى الصَّلوات بوضُوء واحد. أخرجه مسلم. وحديث عبد الله بن عُكَيم: أتَانَا كِتَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَبْل مَوْتهِ بِشَهْر: «أنْ لا تَنْتفعُوا من المَيْتة بإهَابس ولا عَصَب». رواه الأربعة.
هذا النَّوع زدتهُ أنا, وهو نَظِير ما ذكروه فيمن لم يرو عنهُ إلاَّ واحد, ثمَّ رأيت أنَّ للبُخَاري فيه تصنيفًا خاصًّا بالصحابة. وبينهُ وبَيْن الوحدان فرق, فإنَّه قد يَكُون روى عنه أكثر من واحد, وليس له إلاَّ حديث واحد, وقد يَكُون رُوي عنه غير حديث, وليس له إلاَّ راو واحد, وذلك موجود معروف. ومن أمثلته في الصَّحَابة: أُبي بن عمارة المَدَني. قال المِزِّي: له حديث واحد في المَسْح على الخُفَّين, رواه أبو داود, وابن ماجه. آبي اللَّحْم الغِفَاري, قال المِزِّي: له حديث واحد في الاستسقاء. رواه التِّرمذي, والنَّسائي. أحْمَر بن جَزْء البَصْري, قال المِزِّي: له حديث واحد: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سَجَدَ جافى عَضُديه عن جَنْبيه. رواه أبو داود, وابن ماجه, تفرَّد به عنه الحسن البَصْري. أدْرع السُّلمي, قال المِزِّي: له حديث: جئتُ ليلة أحْرُس النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رَجُل قراءتهُ عالية... الحديث. رواه ابن ماجه. بُسْر بن جَحَّاش القُرَشي, ويُقَال: بِشْر, قال المِزِّي: صَحَابي شَامي, له حديث واحد: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بزقَ يومًا في كفِّه, فوضَعَ عليهَا أصبعه, ثمَّ قال: «يَقُول الله: ابن آدم أنَّى تُعْجزني...» الحديث. رواه أحمد, وابن ماجه. حَدْرد بن أبي حَدْرد السُّلمي, روى عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَجَر أخَاهُ سَنَة, فهو كَسَفْك دَمهِ». رواه أبو داود. رَبِيعة بن عَامر بن الهاد الأزْدي, قال المِزِّي: له حديث واحد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «الظُوا بياذَا الجَلال والإكْرَام» رواه النَّسَائي. أبو حَاتم, صَحَابي, روى عنهُ مُحمَّد وسعيد ابْنَا عُتْبة حديث: «إذَا جَاءكُم مَنْ تَرْضوَنَ دينهُ وخُلقهُ فأنْكحُوه, إنْ لا تَفْعلُوه تَكُن فِتْنة في الأرْضِ وفَسَاد عَرِيض». ليس لأبي حاتم غيره, قاله الذَّهَبي في «طبقات الحُفَّاظ» وأبو علي بن السَّكن. ومن غير الصَّحَابة: إسْحَاق بن يزيد الهُذلي المَدَني, روى عن عَوْن بن عبد الله, عن ابن مَسْعُود حديث: «إذَا رَكَعَ أو سَجَد فليُسبَّح ثلاثًا, وذلكَ أدناهُ». رواه أبو داود, والتِّرمذي, والنَّسائي, قال المِزِّي: وليس له غيره. إسْمَاعيل بن بَشِير المَدَني, روى عن جابر بن عبد الله, وأبي طَلْحة زيد بن سَهْل الأنْصَاريين قالا: سَمعنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ امرئ, يَخْذُل امرءا مُسْلمًا في مَوْضع تُنْتَهك فيه حُرْمته...» الحديث. رواه أبو داود, وقال المِزِّي: ولا يعرف له غيره. الحسن بن قَيْس, روى عن كَرَز التَّميمي: دخلتُ على الحُسين بن علي أعوده في مرضه, فبينما أنَا عندهُ, إذ دخلَ علينَا عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه... الحديث في فضل عيادة المريض, رواه النَّسَائي في «مسند» علي, قال المِزِّي: ليس له ولا لشيخه إلاَّ هذا الحديث.
هذا النَّوع زدتهُ أنا, وفائدة مَعْرفة ذلك, الحُكْم بإرْسَاله إذا كانَ الرَّاوي عنه تابعيًا, وأرجو أن أجمع لهم مُسندًا من ذلك. أبو سَلَمة زوج أُم سلمة, توفَّى مرجع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من بدر, رَوَت أُم سَلَمة عنه, عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلم يُصَاب بمُصِيبة, فيَفْزع إلى مَا أمرَ الله بِهِ, من قوله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] اللهمَّ عندكَ أحْتسب مُصِيبتي فأجُرْني عَلَيها, إلاَّ أعْقبهُ الله خيرًا منها» رواه التِّرمذي, والنَّسائي, وابن ماجه, من طريق عُمر بن أبي سلمة عن أُمِّه أُم سلمة: أنَّ أبا سَلَمة أخْبَرها, أنَّه سمعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول, فذكره. وجعفر بن أبي طالب, روى أحمد له في «مسنده» حديث الهجرة. وحَمْزة عم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، روى له الطَّبراني حديثًا في الحَوْض. وخَدِيجة, وأبو طالب, إن صحَّ إسْلامه.
وصنَّف فيه جَمَاعة, أشْهرهُم الذَّهَبي, وقد لخَّصتُ «طبقاته» وذيَّلتُ عليه من جاء بعده, وها أنا أُوردُ هُنا نوعًا لطيفًا منهُ. قال البَيْهقي في «المَدْخل»: أخبرنا عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو العبَّاس مُحمَّد بن يعقُوب, أخبرنا مُحمَّد بن عبد الله بن الحكم, أخبرنا ابن وهب, سمعتُ مالكًا يُحدِّث, عن يحيى بن سعيد: أنَّ عُمر بن الخَطَّاب قال يومًا: عُدُوا الأئمة, فعدُّوها نحوا من خَمْسة, قال: أفمترُوك النَّاس بغير أئمة! فسألتُ مالكًا عن الأئمة من هُمْ؟ قال: هُم أئمة الدِّين في الفِقْه والورع. وقال جعفر بن رَبِيعة: قلتُ لعرَاك بن مَالك: مَنْ أفقهُ أهل المَدِينة؟ قال: أمَّا أعلمهُم بقَضَايا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وقَضَايا أبي بكر وعُمر وعُثمان, وأفقههم فقهًا, وأعلمهم عِلمًا بما مَضَى من أمرِ النَّاس, فسعيد بن المُسَيب, وأمَّا أغزرهم حديثًا فعُرْوة بن الزُّبَير, ولا تَشَاء أن تُفجِّر من عُبيد الله بن عبد الله بحرًا إلاَّ فَجَّرتهُ وأعْلمهُم عندي جميعًا ابنُ شِهَاب, فإنَّه جمعَ علمهُم جميعًا إلى عِلْمهِ. وقال الزُّهْري: العُلماء أرْبَعة, سَعيد بن المُسيب بالمَدِينة, والشَّعبي بالكُوفة, والحسن بالبَصْرة, ومَكْحُول بالشَّام. وقال أبو الزِّنَاد: كان فُقهاء أهل المَدِينة أرْبَعة: سعيد بن المُسَيب, وقَبِيصة بن ذُؤيب, وعُروة بن الزُّبَير, وعبد المَلك بن مَرْوان. وقال الزُّهْري: أربعة من قُرَيش وجدتهُم بُحُورًا: سَعِيد بن المُسيب, وعُرْوة ابن الزُّبَير, وأبو سَلَمة بن عبد الرَّحمن, وعُبيد الله بن عبد الله. وقال ابن سيرين: قدمتُ الكُوفة وبهَا أربعة آلاف يَطْلبون الحديث, وشُيوخ أهل الكُوفة أربعة: عَبِيدة السَّلْماني, والحَارث الأعْوَر, وعَلْقمة بن قَيْس, وشُرَيح القاضي, وكان أحسنهم. وقال الشَّعْبي: كان الفُقهاء بعد أصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالكُوفة من أصحاب ابن مَسْعُود هؤلاء: عَلْقمة, وعَبِيدة, وشُرَيح, ومَسْروق, وكان مَسْرُوق أعلم بالفتوى من شُريح, وشُريح أعلم بالقَضَاء, وكان عَبِيدة يُوازيه. وقال أبو بكر بن أبي إدريس: ليس أحد بعد الصَّحَابة أعلم بالقُرآن من أبي العَالية, وبعده سعيد بن جُبَير, وبعده السُّدي, وبعده سُفْيان الثَّوري. وقال ابن عَوْن وقَيْس بن سعد: لم نر في الدُّنيا مثل ابن سيرين بالعراق, والقاسم بن مُحمَّد بالحجاز, ورَجَاء بن حيوة بالشَّام, وطاووس باليمن. وقال قَتَادة: أعلم التَّابعين أربعة: عَطَاء بن أبي رَبَاح أعلمهم بالمَنَاسكِ, وسعيد بن جُبَير أعلمهم بالتَّفْسير, وعِكْرمة مولى ابن عبَّاس أعلمهم بسيرة النَّبي صلى الله عليه وسلم، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام. وقال سُليمان بن مُوسى: إن جَاءنَا العِلْم من ناحية الجَزِيرة عن ميمون بن مهران قَبِلناهُ, وإن جَاءنا من البَصْرة عن الحَسَن البَصْري قَبلناهُ, وإن جَاءنا من الحِجَاز عن الزُّهْري قَبلناهُ, وإن جاءنا من الشَّام عن مَكْحُول قَبلناهُ, كان هؤلاء الأربعة عُلماء النَّاس في زمن هِشَام. وقال أبو داود الطَّيَالسي: وجدنا الحديث عند أربعة الزُّهْري, وقَتَادة, والأعمش, وأبي إسْحَاق. قال: وكان الزُّهْري أعلمهُم بالإسْنَاد, وكان قَتَادة أعلمهم بالاختلاف, وكان أبو إسْحَاق أعلمهم بحديث علي وعبد الله, وكان عند الأعمش من كلِّ هذا. وقال ابن مَهْدي: أئمةُ النَّاس في الحديث في زَمَانهم أربعة: مالك بن أنس بالحِجَاز, والأوزاعي بالشَّام, وسُفْيان الثَّوري بالكُوفة, وحمَّاد بن زيد بالبَصْرة. وقال ابن المَدِيني: شُعْبة أحفظ النَّاس للمشايخ, وسُفيان أحفظ النَّاس للأبواب, وابن مَهْدي أحفظهم للمشايخ والأبواب, ويحيى القَطَّان أعرف بمخارج الأسَانيد, وأعْرَف بمواضع الطَّعْن فيهم. وقال الخَطِيب: أخبرنا البَرْقاني, قال: أخبرنا الإسْمَاعيلي, قال: سُئل الفَرْهَياني عن يحيى بن مَعِين, وعلي بن المَدِيني, وأحمد بن حَنْبل, وأبي خَيْثمة, فقال: أمَّا علي فأعْلَمهُم بالحديث والعلل, ويحيى أعلمهُم بالرِّجَال, وأحمد أعلمهُم بالفقه, وأبو خيثمة من النُّبَلاء. وأسند الخَطِيب عن أبي عُبيد القاسم بن سَلاَّم قال: الحُفَّاظ أربعة. وفي رِوَاية: انتهى علمُ الحديث إلى أربعة: أبو بَكْر بن أبي شَيْبة أسْردَهُم له, وأحمد بن حَنْبل أفْقههُم فيه, وعلي بن المَدِيني أعلمهُم به, ويَحْيى بن مَعِين أكتبهُم له. وعنهُ أيضًا قال: ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهُم بالحلال والحرام أحمد بن حَنْبل, وأحسنهُم سياقة للحديث وأداء له عليِّ بن المَدِيني, وأحسنهُم وضْعًا للكتاب ابن أبي شَيْبة, وأعلمهُم بصحيح الحديث وسَقِيمه يحيى بن معين. وقال أبو علي صالح بن مُحمَّد البغدادي: أعلم من أدركت بالحديث وعلله ابن المَدِيني, وأفقهُم بالحديث أحمد بن حَنْبل, وأعلمهُم بتصنيف المشايخ ابن معين, وأحفظهُم عند المُذَاكرة أبو بكر بن أبي شَيْبة. وقال هلال بن العَلاء الرَّقي: مَنَّ الله على هذه الأُمة بأربعة في زَمَانهم: أحمد بن حَنْبل ثبتَ في المِحْنة, ولولا ذلك لكفرَ النَّاس, وبالشَّافعي ثقة في حديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيى بن مَعِين نفى الكذب عن حديثه, وبأبي عُبيد فسَّر الغريب, ولولا ذلك لاقْتحمَ النَّاس الخطأ. وقال ابن وارة: أركانُ الدِّين أربعة: أحمد بن صالح بمصر, وأحمد بن حَنْبل ببغداد, وابن نُمَير بالكُوفة, والنُّفَيلي بحرَّان. وقال يحيى بن يحيى النَيْسابوري: كان بالعراق أربعة من الحُفَّاظ, شَيْخان وكَهْلان: الشَّيْخان: يَزِيد بن زُرَيع, وهُشَيم, والكَهْلان: وكيع, ويزيد بن هارون, ويزيد أحفط الكهلين. وقال عبد الصَّمد بن سُليمان البَلْخي: سألتُ أحمد بن حَنْبل عن يحيى بن سعيد, وابن مَهْدي, ووكيع, وأبي نُعَيم الفَضْل بن دُكَين, فقال: ما رأيتُ أحدًا أحفظ من وكيع, وكفاكَ بعبد الرَّحمن بن مهدي معرفة وإتقانًا, وما رأيت اشد تثبُّتًا في أمور الرِّجال من يحيى بن سعيد, وأبو نُعَيم أقل الأربعة حظًّا. وقال حَنْبل بن إسحاق: قال أبو عبد الله: ما رأيت بالبَصْرة مثل يحيى بن سعيد, وبعده عبد الرَّحمن, وعبد الرَّحمن أفقه الرَّجُلين, قيل له: فوكيع وأبو نُعيم؟ قال: أبو نُعَيم أعلم بالشِّيوخ وأساميهم وبالرِّجال, ووكيع أفقه. وقال قُتيبة: كانُوا يَقُولون: الحُفَّاظ أرْبَعة: إسماعيل بن عُلَية, وعبد الوارث, ويزيد بن زُرَيع, ووهيب, وكان عبد الرَّحمن يختار وُهَيبًا على إسماعيل. وقال أبو حاتم: هو الرَّابع من حُفَّاظ أهل البَصْرة, ولم يَكُن بعد شُعْبة أعلم بالرِّجال منه. وقال يحيى بن معين: شُعبة أعلم بالرِّجَال, وسُفيان صاحب أبواب. وقال حَجَّاج بن الشَّاعر: مَا بالمَشْرق أنبل من أربعة: أبو جَعْفر الرَّازي, وأبو زُرْعَة, وأبو حاتم, وابن وارة. وقال أحمد بن حَنْبل: المُتثبتون في الحديث أربعة: سُفْيان, وشُعْبة وزُهَير بن مُعَاوية, وزائدة بن قُدَامة. وقال شُعيب بن حرب: زُهَير أحفظ من عشرين مثل شُعْبة. وقال قُتيبة بن سَعِيد: فتيان خُرَاسان أربعة: زكريا بن يحيى اللؤلؤي, والحسن بن شُجَاع, وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمْرقندي, ومُحمَّد بن إسْمَاعيل البُخَاري. وقال عبد الله بن أحمد بن حَنْبل: قلتُ لأبي يا أبت ما الحُفَّاظ؟ قال يا بُنَي شَبابٌ كانوا عندنا من أهل خُرَاسان وقد تفرَّقُوا. قلتُ: من هُم يا أبت؟ قال: مُحمَّد بن إسماعيل, ذاك البُخَاري, وعُبيد الله بن عبد الكريم, ذاك الرَّازي, وعبد الله بن عبد الرَّحمن, ذاك السَّمرقندي- يعني الدارمي- والحسن بن شُجَاع ذاك البَلْخي. قلت: يا أبت فمن أحفظ هؤلاء؟ قال: أمَّا أبو زُرْعَة فأسردهم, وأمَّا مُحمَّد إسماعيل فأعرفهم, أمَّا عبد الله بن عبد الرَّحمن فأتقنهم, وأمَّا الحسن بن شُجَاع فأجمعهم للأبواب. وعنه أيضًا قال: سمعتُ أبي يقول: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خُرَاسان: أبو زُرْعَة الرَّازي, ومحمد بن إسماعيل البُخَاري, وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقندي- يعني الدَّارمي- والحسن بن شُجَاع البلخي. وقال بندار: حُفَّاظ الدُّنيا أربعة: أبو زُرْعَة بالري, ومسلم بن الحجَّاج بنيسابور, وعبد الله بن عبد الرَّحمن بسمرقند, ومحمَّد بن إسماعيل ببخارى. وقال أبو حاتم الرَّازي: البُخَاري أعلم من دخلَ العراق, ومحمَّد بن يحيى أعلم من بخُراسان اليوم, ومحمَّد بن أسلم أورعهُم, والدَّرامي أثبتهم. وقال أبو علي النَيْسابُوري: رأيتُ من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسْفَاري: اثْنَان بنَيْسابُور: ابن خُزَيمة, وإبراهيم بن أبي طالب, وعَبْدان بالأهواز, والنَّسائي بمصر. وقال ابن كامل: أربعة ما رأيت أحفظ منهم, مُحمَّد بن أبي خَيْثمة, وابن جَرِير, ومحمَّد البربري, والمَعْمري. وقال ابن خليل في «الإرشاد»: كان يُقال: الأئمة ثلاثة في زمن واحد: ابن أبي داود ببغداد, وابن خُزَيمة بنيسابور, وابن أبي حاتم بالري. قال الخليلي: ورابعهم ببغداد: أبو مُحمَّد بن صاعد. وقال الحافظ أبو الفضل بن طاهر: سألتُ سعد بن علي الزِّنجاني الحافظ بمكَّة وما رأيتُ مثله قلت: أربعة من الحُفَّاظ تعاصروا, أيهم أحفظ؟ قال: مَنْ؟ قلت: الدَّارقُطْني ببغداد, وعبد الغَنِي بن سعيد بمصر, وأبو عبد الله بن منده بأصبهان, وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور, فسكتَ فألححتُ عليه, فقال: أمَّا الدَّارقُطْني فأعلمهم بالعلل, وأمَّا عبد الغني فأعلمهُم بالأنْسَاب, وأمَّا ابن منده فأكثرهُم حديثًا مع مَعْرفة تامة, وأمَّا الحاكم فأحسنهم تصنيفًا. وقال المُنْذري: سألتُ شيخنا الحافظ أبا الحسن بن المُفضَّل المَقْدسي وقلتُ له: أربعة من الحُفَّاظ تعاصروا أيهم أحفظ؟ قال: مَنْ هُم؟ قلتُ: ابن عساكر, وابن ناصر, قال: ابن عَسَاكر أحفظ. قلتُ: الحافظ أبو العلاء العَطَّار وابن عَسَاكر؟ قال ابن عساكر أحفظ. قلت: السَّلفي وابن عساكر؟ قال: السَّلفي أُستاذنا. قال المُنذري والذَّهبي: هذا دليلٌ على أنَّ عنده أنَّ ابن عساكر أحفظ, إلاَّ أنَّه وقَّر شيخه أن يُصرِّح بأنَّ ابن عساكر أحفظ منه. وسأل شيخ الإسلام أبو الفَضْل ابن حَجَر شيخه الحافظ أبا الفَضْل العِرَاقي عن أربعة تعاصرُوا أيهم أحفظ: مَغْلطاي, وابن كَثِير, وابن رافع, والحُسَيني, فأجاب, ومن خطه نقلت: أنَّ أوسعهُم اطِّلاعًا, وأعلمهم للأنْسَاب مَغْلطاي, على أغلاط تقع منه في تَصَانيفه, وأحفظهم للمتُون والتواريخ ابن كثير, وأقعدهُم بطلب الحديث, وأعلمهم بالمؤتلف والمختلف ابن رافع, وأعرفهم بشيوخ المتأخِّرين وبالتاريخ الحُسَيني, وهو أدونهم في الحفظ. ورأيتُ في تذكرة صاحبنا الحافظ جمال الدِّين سبط ابن حجر: أربعة تعاصرُوا: التقي بن دقيق العيد, والشَّرف الدمياطي, والتَّقي بن تَيْمية, والجمال المِزِّي. قال الذَّهَبي: أعلمهم بعلل الحديث والاستنباط ابن دقيق العيد, وأعلمهم بالأنساب الدمياطي, وأحفظهم للمُتون ابن تيمية, وأعلمهم بالرِّجال المِزِّي. أربعة تعاصروا: السِّراج البَلْقِيني, والسِّراج بن المُلقَّن, والزَّين العِرَاقي, والنُّور الهَيْثمي, أعلمهُم بالفقه ومداركه البَلْقِيني, وأعلمهُم بالحديث ومُتونه العِرَاقي, وأكثرهُم تصنيفًا ابن المُلقَّن, وأحفظهم للمُتُون الهيثمي. وهذا آخر ما تيسَّر جمعه من الأنواع. وقد رويتُ في «الإرشاد» هُنَا ثلاثة أحاديث بأسانيد كلهُم دمشقيُّون مِنِّي إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَا دِمَشقيٌّ, حَمَاها الله وصَانهَا وسَائر بلاد الإسْلام وأهْلهِ. قال الشَّيْخ محيي الدِّين رحمه الله تعالى في آخر «التقريب» وقد رويت في «الإرشاد» هُنَا ثلاثة أحاديث بأسانيد كلهُم دمشقيُّون مِنِّي إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا دِمَشقيٌّ حَمَاها الله تَعَالى وصَانها وسَائر بلاد الإسْلام وأهله والمُصنِّف اقتدى في ذلك بابن الصَّلاح حيث قال: ولنقتد بالحَاكم أبي عبد الله الحافظ, فنَرْوي أحاديث بأسَانيدها, مُنبهين على بلاد رُواتها, ومُستحسن من الحافظ أن يُورد الحديث بإسْنَاده, ثمَّ يذكر أوطان رِجَاله واحدًا واحدًا, وهكذا غير ذلك من أحوالهم, ثمَّ روى ثلاثة أحاديث: الأوَّل بإسناد أوَّله مصريون, وآخره بغداديون. والثاني أوَّله مِصْريون وآخره نيسابوريون. والثالث أوَّله كُوفيون, ثمَّ مكي, ويماني, ثمَّ نيسابوريون. وأنا مُقْتد بهم في ذلك فمورد هنا ثلاثة أحاديث بأسانيدها. الحديث الأوَّل مُسلسل بالفُقهاء الشَّافعيين: أخبرني شيخنا قاضي القُضَاة شيخ الإسلام والمُسْلمين علم الدِّين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدِّين البَلْقِيني, أخبرنا والدي, أخبرنا قاضي القُضَاة تقي الدِّين السُّبكي, أخبرنا الحافظ شرف الدِّين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي, أخبرنا الإمام زكي الدِّين عبد العظيم بن عبد القوي المُنْذري, أخبرنا العَلامة أبو الحسن بن المُفضَّل المَقْدسي, أخبرنا الحافظ أبو طاهر السَّلفي, أخبرنا أبو الحسن الكيا الهراسي, أخبرنا إمام الحَرَمين أبو المَعَالي, أخبرنا والدي الشَّيْخ أبو مُحمَّد الجُوَيني, أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الجيزي, أخبرنا أبو العبَّاس الأصم, أخبرنا الرَّبيع بن سُليمان المُرَادي, أخبرنا الإمام أبو عبد الله مُحمَّد بن إدريس الشَّافعي, عن مالك, عن نافع, عن عبد الله بن عُمر, أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «المُتَبايعان كُل واحد منهُمَا بالخِيَار على صاحبه ما لم يَتَفرَّقا إلا بيع الخِيَار». الحديث الثَّاني مُسلسل بالحفَّاظ: أخبرني الحافظ أبو الفضل الهاشمي, أخبرنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين العِرَاقي, أخبرنا الحافظ أبو سعيد العلائي, أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذَّهَبي, أخبرنا الحافظ أبو الحجَّاج المِزِّي. (ح) وأخبرني عاليا بدرجتين حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل العَسْقَلاني إجازة عامة, ولم أرو بها غير هذا الحديث, أخبرنا شيخ الإسلام الحافظ أبو حفص البَلْقِيني, أخبرنا الحافظ أبو الحَجَّاج المِزِّي, أخبرنا الحافظ مُحمَّد بن عبد الخالق بن طرخان, أخبرنا الحافظ أبو الحسن المَقْدسي, أخبرنا الحافظ أبو طاهر السَّلفي, أخبرنا الحافظ أبو الغنائم النَّرْسي, أخبرنا الحافظ أبو نَصْر ابن ماكولا العجلي, أخبرنا الحافظ أبو بكر الخَطِيب, حدَّثنا الحافظ أبو حازم العبدري, حدَّثنا الحافظ أبو عَمرو بن مطر, حدَّثنا إبْرَاهيم بن يُوسف الهسنجاني الحافظ, حدَّثنا الفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل, حدَّثنا أحمد بن حنبل, حدَّثنا زُهَير بن حرب, حدَّثنا يحيى بن مَعِين, حدَّثنا علي بن المَدِيني, حدَّثنا عُبيد الله بن مُعَاذ, حدَّثنا أبي حدَّثنا, شُعْبة, عن أبي بكر بن حَفْص, عن أبي سَلَمة, عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كُنَّ أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم يأخُذن من رُؤوسهنَّ حتَّى يَكُون كالوفرة. قال العَلائي هذا إسنادٌ عجيب جدًّا من تسلسله بالحُفَّاظ, ورواية الأقران بعضهم عن بعض, والحديث في «صحيح» مسلم من طريق عُبيد الله بن مُعَاذ, وهو عال لنا من طريقه بتسع درجات على هذه الطريق. الحديث الثَّالث مسلسل بالمِصْريين: أخبرني شيخنا الإمام الشمني بقراءتي عليه غير مرَّة, أخبرنا أبو طاهر بن الكويك. (ح) وقرئ على أُم الفضل بنت مُحمَّد المصرية وأنا أسمع, أخبرنا شيخ الإسلام أبو حفص البَلْقِيني, ومحمد ومريم ولدا أحمد بن إبْرَاهيم سماعًا, قالوا كلهم: أخبرنا أبو الفتح مُحمَّد بن مُحمَّد الميدومي, أخبرنا أبو عيسى بن علاق, أخبرنا أبو القاسم هبةُ الله بن علي البُوصيري, حدَّثنا أبو صادق مُرْشد بن يحيى, أخبرنا أبو الحسن علي بن عُمر الصوَّاف, حدَّثنا أبو القاسم حَمْزة بن مُحمَّد الحافظ, أخبرنا عِمْران بن مُوسَى بن حُميد الطَّبيب, حدَّثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَير, حدَّثني اللَّيث بن سعد, عن عامر بن يَحْيى المُعَافري, عن أبي عبد الرَّحمن الحُبلي, أنَّه قال: سمعتُ عبد الله بن عَمرو يَقُول: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يُصَاحُ برجُل من أُمَّتي على رؤوس الخَلائق يوم القِيَامة, فتُنْشر له تِسْعة وتسعُون سِجلاً, كُل سجل منها مد البَصَر, ثمَّ يقول الله تبارك وتعالى: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا ربِّ, فيقول عزَّ وجلَّ: ألكَ عُذر أو حَسَنة؟ فيَهَاب العبد فيقُول: لا يا ربِّ, فيقول عزَّ وجلَّ: بلى, إنَّ لكَ عندنا حَسَنات, وإنَّهُ لا ظُلْم عليكَ اليَوْم, فيُخْرج الله بِطَاقة فيها: أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ مُحمَّدًا عبده ورَسُوله, فيقول: يا ربِّ ما هذه البِطَاقة مع هذه السِّجلات؟ فيقول عزَّ وجلَّ: إنَّكَ لا تُظْلم؟ قال: فتُوضع السِّجلات في كفَّة, والبِطَاقة في كفَّة, فطَاشت السِّجلات, وثَقُلت البِطَاقة». وبه قاله حمزة: لا نعلمُ أحدًا روى هذا الحديث غير اللَّيث بن سعد, وهو من أحسن الحديث. وبه قال أبو الحسن: لمَّا أملى علينا حمزة هذا الحديث صاحَ غريبٌ من الحلقة صَيْحة, فاضت نفسه معها. قلت: هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجهُ التِّرمذي عن سُويد بن نصر, عن ابن المُبَارك. وابن ماجه عن مُحمَّد بن يحيى, عن ابن أبي مريم, كلاهما عن الليث, فوقع لنا عاليا. وزاد التِّرمذي في آخره: «ولا يثقُل مع اسم الله شيء». وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وأخرجه التِّرمذي أيضًا عن قُتيبة, عن ابن لَهِيعة, عن عامر بن يحيى نحوه. وبه يُرد قول حمزة: ما رواه غير الليث. وأخرجه الحاكم في «المستدرك» من رواية يُونس بن مُحمَّد, عن الليث, وقال: صحيح على شرط مسلم, فقد احتجَّ بأبي عبد الرَّحمن الحُبُلي, عن ابن عَمرو, وعَامر بن يحيى مِصْري ثقة, احتجَّ به مسلم أيضًا, والليث إمَام, ويُونس المؤدب ثقة مُتَّفق على إخراجه في «الصَّحيحين» انتهى. ورجال الإسْناد الَّذي سُقْناه مِنِّي إلى عبد الله بن عَمرو, كُلهم مِصْريُون, والله سُبحانه وتعالى أعلم.
1
|